بقلم د. بوجا جاور خيتان، استشاري جراحة الصدر في مدينة الشيخ شخبوط الطبية
عندما نسمع عبارة سرطان الرئة، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو التدخين، العدو الأول للرئة. وبالرغم من أن التدخين بالفعل لا يزال سببا رئيسيًا، إلا أن عدد المرضى الذين يتم تشخيصهم بسرطان الرئة وهم لم يدخنوا يومًا واحدًا بحياتهم آخذ في التزايد على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم. يثير هذا الواقع، إلى جانب انخفاض معدلات الكشف المبكر، مخاوف جدية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية والمجتمع على حد سواء.
سرطان الرئة: عبء متزايد في دولة الإمارات العربية المتحدة
يعد سرطان الرئة أحد الأسباب الرئيسية للوفيات المرتبطة بالسرطان في جميع أنحاء العالم، والإمارات العربية المتحدة ليست استثناءً. وفقًا للسجل الوطني للسرطان في دولة الإمارات العربية المتحدة، يُصنف سرطان الرئة باستمرار بين أنواع السرطان الخمسة الأكثر انتشارًا لدى الرجال وبين أنواع السرطان العشرة الأكثر انتشارًا لدى النساء. مع التوسع الحضري السريع، وتغيرات نمط الحياة، والتعرض المتزايد للملوثات البيئية، يظل سرطان الرئة تحديًا كبيرًا للصحة العامة.
وما يجعل سرطان الرئة خطيراً بشكل خاص هو أنه غالباً ما يظل بدون أعراض حتى يصل إلى مرحلة متقدمة، وبحلول الوقت الذي يطلب فيه المرضى الرعاية الطبية، قد تكون خيارات العلاج محدودة وتقل فرص الشفاء بشكل كبير.
ليس مرض للمدخنين فقط
تواجه الصورة النمطية لسرطان الرئة باعتباره “مرض المدخنين” تحديًا من خلال مجموعة متزايدة من الأدلة. تقدر الدراسات أن ما يقرب من 15-20% من مرضى سرطان الرئة على مستوى العالم لم يدخنوا قط. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يبدو هذا العدد أعلى بين النساء.
عوامل الخطر الرئيسية لغير المدخنين في دولة الإمارات العربية المتحدة:
- التعرض للتدخين السلبي: خاصة في الأسر أو البيئات الاجتماعية التي لا يزال التدخين منتشرًا فيها.
- تلوث الهواء والعواصف الرملية: تم ربط الجسيمات والمواد الملوثة في الهواء الحضري بأمراض الرئة، بما في ذلك السرطان.
- تلوث الهواء الداخلي: بسبب البخور، وأبخرة الطبخ، وسوء التهوية.
- التعرض للمواد الضارة لسبب مهني: خاصة في الصناعات التي تشمل البناء أو النفط والغاز أو صناعة المواد الكيميائية.
- العوامل الوراثية والهرمونية: بعض الطفرات الجينية (على سبيل المثال: مستقبل عامل نمو البشرة EGFR) الأكثر شيوعًا عند النساء الآسيويات والشرق أوسطيات غير المدخنات.
- التعرض لغاز الرادون: على الرغم من أنه أقل شيوعًا، إلا أن غاز الرادون – وهو غاز مشع طبيعي – يمكن أن يكون موجودًا في المباني والمنازل.
الكشف المبكر
في أماكن مثل الولايات المتحدة وأوروبا وأجزاء من آسيا، تُستخدم الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة (LDCT) لفحص الأفراد الأكثر عرضة لسرطان الرئة – ويشمل ذلك عادةً المدخنين الشرهين الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا. ولكن في الإمارات العربية المتحدة، لا تزال برامج فحص سرطان الرئة الدورية الرسمية في بداياتها.
ما أهمية الكشف المبكر؟
- الاكتشاف المبكر منقذ للحياة: يبلغ معدل البقاء على قيد الحياة لمرضى سرطان الرئة الذين يتم تشخيصهم في المرحلة الأولى حوالي 70% لمدة خمس سنوات، مقارنة بأقل من 10% في المرحلة الرابعة.
- الفحص غير جراحي وسريع: يستغرق التصوير المقطعي منخفض الجرعة دقائق ويكون التعرض للإشعاع فيه ضئيلًا.
- الفحص غير مكلف: العلاج المبكر أقل ضرراً على المرضى وأكثر فعالية، مما يقلل من تكاليف الرعاية الصحية الإجمالية.
من يجب أن يخضع للفحص في الإمارات العربية المتحدة؟
بالرغم من أن المبادئ التوجيهية الحالية تعطي الأولوية للمدخنين في الفحص، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تحتاج إلى نهج أوسع وأكثر شمولاً:
- المدخنون والمدخنون السابقون الذين تتعدى أعمارهم 50 عامًا ولهم تاريخ طويل مع التدخين.
- غير المدخنين الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الرئة.
- الأفراد المعرضون لعوامل الخطر المهنية أو البيئية.
- السيدات اللاتي يعانين من السعال المزمن أو الإعياء غير المبرر، وخاصة السيدات من أصل آسيوي أو شرق أوسطي.
كسر الوصمة وزيادة الوعي
أحد العوائق الرئيسية أمام التشخيص المبكر هو الوصمة الاجتماعية. عادةً ما يتأخر غير المدخنين في طلب الرعاية، معتقدين أنهم ليسوا في خطر. علاوة على ذلك، يميل المجتمع إلى ربط سرطان الرئة بنمط الحياة فقط، مما يسبب ضغطًا عاطفيًا وعزلة اجتماعية لأولئك الذين يتم تشخيصهم بالمرض.
نحن بحاجة لتغيير هذه الفكرة.
يجب أن يعمل مقدمو الرعاية الصحية وصناع القرار في المجتمع معًا من أجل:
- تعزيز حملات التوعية العامة التي تسلط الضوء على المخاطر التي يواجهها غير المدخنين.
- تشجيع الحوار المفتوح حول صحة الجهاز التنفسي.
- دمج فحص سرطان الرئة في الرعاية الأولية والفحوصات الطبية الدورية.
- الاستثمار في الأبحاث التي تركز على العوامل الجينية والبيئية الفريدة لسكان دولة الإمارات.
المضي قدمًا: دعوة لاتخاذ إجراءات حقيقية
نظرتنا لسرطان الرئة تتغير، وهو لم يعد محصورًا في صورة مرض خاص بكل مدخن شره يدخن منذ عقود. ومن حسن الحظ، في الإمارات العربية المتحدة لدينا بنية تحتية عالمية المستوى للرعاية الصحية، كما أن لدينا جميع التقنيات والتكنولوجيا الطبية الحديثة، ما يعطينا الفرصة والمسؤولية لقيادة الطريق نحو الريادة لمكافحة سرطان الرئة بطريقة مختلفة تعطي المرضى فرصة جديدة للحياة.
دعونا ندافع عن:
- إرشادات الفحص الدوري التي تعكس تنوع السكان في الإمارات.
- زيادة فرص الحصول على فحوصات التصوير المقطعي المحوسب منخفض الجرعة في القطاعين الصحيين العام والخاص.
- خطط العلاج الشخصية، وخاصة لسرطانات الرئة المتحورة بسبب مستقبل عامل نمو البشرة EGFR، وهو من الأسباب الشائعة لسرطان الرئة لدى غير المدخنين.