تتهرب فئة من المرضى من الذهاب إلى المستشفيات أو العيادات، ويلجأون إلى وصفات الصيدلي كبديل يوفر الجهد والوقت والمال، حيث يدخل المريض إلى الصيدلية وما هي إلا دقائق معدودة حتى يخرج منها حاملاً الأدوية التي تناسب إمكاناته المادية، دون أن يضطر إلى البقاء في المستشفى لساعات، وبرغم أن البعض يستهين بنوع المرض الذي يعانيه، ويعتبر أن اللجوء للصيدليات حل آمن، إلا أن هذه السلوكيات تحمل مخاطر لا حصر لها، ويكون المريض هو المتضرر الأول، وهو ما أكده عدد من الأطباء والصيادلة ل «الخليج» في التحقيق التالي.
تلجأ فئة من المرضى إلى وصفات الصيدلي، وذلك لعدة أسباب بعضها للاستهتار في التعامل مع المرض، والبعض الآخر بسبب ممارسات بعض الأطباء الذين يغالون في طلباتهم لأي مريض مهما كانت حالته الصحية، مثل التحاليل وصور الأشعة فضلاً عن قيمة الكشف الطبي، ولا يختلف الحال بالنسبة للمستشفيات.
وأكد أطباء وصيادلة أن تناول الأدوية مهما كان نوعها، يجب أن يكون تحت إشراف طبي وبناء على وصفة من الطبيب المختص، وأن دور الصيدلي الالتزام بما يصفه الطبيب المعالج، خاصةً في ظل وجود التأمين الصحي، فالطبيب والصيدلي فريق متكامل لا يجوز تجاهل دور كل منهما، حتى الأدوية التي ينصح بها الطبيب في حالة مرضية معينة ليست بالضرورة أن تكون مجدية لحالة أخرى تعاني نفس المشكلة الصحية، بل على العكس قد تشكل خطراً على حياته.
أوضح عدد من المرضى، أن المواعيد للوصول إلى الأطباء المختصين تكون دائماً بعيدة ومدة الانتظار طويلة للدخول إلى غرفة الطبيب، إلى جانب الكمّ الهائل من التحاليل وصور الأشعة التي يطلبها الطبيب المعالج عند كل زيارة، ما يدفعهم لاختصار كل هذا بالتوجّه مباشرة إلى الصيدلية وشرح الحالة للصيدلي، الذي بدوره يوصف لهم الدواء المناسب، وفي بعض الأحيان لا يصرف الدواء إلا بوصفة طبيبة، لكنهم يحصلون عليه من الصيدلي، وفي هذا مخالفة لتعليمات أنظمة صرف الأدوية.
استشارة طبية
الدكتور أحمد المصعبي، أخصائي طب الأمراض المعدية وطب المناطق الحارة في مدينة الشيخ شخبوط الطبية بالشراكة مع مايو كلينك يقول: «في الفترة الأخيرة شهدنا بعض الأشخاص يستسهلون التوجّه إلى الصيدلية لتلقي العلاج بدلاً من استشارة الطبيب، وذلك اعتقاداً بأن المشكلة الصحية التي لديهم تشابه المشكلة التي أصيب بها أحد معارفهم أو أصدقائهم فيأخذون الأدوية نفسها».
وأضاف أن بعض المرضى يلجأون لعلاج أنفسهم بشكل مباشر من الصيدلية، وذلك لسببين رئيسيين وهما: تخفيف تكاليف العلاج، واختصار وقت العلاج، لأن هناك مرضى يسعون لتخفيف تكاليف الاستشارة الطبية والفحوص والتحاليل والأشعة والأدوية، وبعضهم لا يمتلكون التأمين الصحي، أو يكون التأمين منتهياً أو لا يشمل كافة العلاجات مثل العلاجات طويلة الأمد، حيث تنتهي مدة صلاحية التأمين قبل انتهاء العلاج، ويذهب المريض لأخذ نفس الدواء الذي وصفه له طبيبه منذ بداية العلاج ويستمر عليه دون إعادة إجراء الفحوص، ويؤدي ذلك إلى نتائج عكسية قد تسبب مضاعفات ويضطر المريض لدخول المستشفى لعلاج المضاعفات وتكون التكاليف أكثر.
وأوضح المصعبي أن رحلة علاج المريض تبدأ بالتشخيص من الطبيب المختص، ثم وصف العلاج الدوائي وشرائه من الصيدلي الذي بدوره يشرح للمريض كيفية تناول العلاج، لأن الأدوية هي مواد كيميائية من الممكن أن تتعارض مع الأدوية الأخرى مما يسبب زيادة أو تقليل مفعول الدواء ويكون الدواء غير فعال.
وينصح المصعبي، المرضى متابعة العلاج لأن مع مرور الوقت يتغير العلاج وتكون هناك مضاعفات في بعض الأحيان ويجب علاجها فوراً ولا يستطيع المريض ملاحظتها إلا من خلال الفحوص والتحاليل.
مضاعفات خطيرة
تقول الدكتورة إيمان إبراهيم عليوة، أخصائية طب الأسرة في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي: «يتحاشى بعض المرضى الذهاب إلى المستشفيات أو العيادات لتجنّب الانتظار الطويل، ودفع مبالغ مالية كبيرة أحياناً، لاعتقادهم أن المرض بسيط، ولا يحتاج لتهويل أطباء القطاع الخاص الذين يلجأون إلى طلب التحاليل وصور الأشعة بمختلف أنواعها، باللجوء إلى الصيدلي كبديل يوفر الوقت والمال، لكن هذا أمر غير صحيح، حيث إن تناول الأدوية ضرورة تفرضها حالة مرضية اضطرارية، غير أن تناولها بطريقة عشوائية دون وصفة من الطبيب المختص، وعدم مراعاة التعليمات المرفقة يسبب مضاعفات خطيرة على الصحة كالمضادات الحيوية، وقد تكون هذه المضاعفات أخطر من المرض الذي استدعى تناولها.
وتضيف أن الأدوية التي تُعطى من دون وَصفة طبية قد تساعد المرضى في التخفيف من الكثير من الأَعراض المزعجة ومعالجة بعض الأمراض بسهولة، من دون دفع تكلفة مراجعة الطبيب، إلا أن الاستعمال الآمن لهذه الأدوية يتطلَّب المعرفةَ والوعي والمسؤولية، وسوء الاستخدام يسبب آثاراً جانبية، لذا يجب استخدام الأدوية كما وصفها الطبيب.
وشددت على ضرورة اختيار مسكن الألم المناسب، لأن كثيراً من المرضى يعتمد على المسكنات بدون وصفة في تخفيف الآلام، لكنهم قد لا يدركون أن العمر والحالة الصحية للمريض وموانع الاستخدام للدواء هي عوامل مهمة عند اختيار المسكنات المتاحة بدون وصفة طبية. وتؤكد أن تناول الأدوية مهما كان نوعها يجب أن يكون تحت إشراف طبي واستشارة الصيدلي المختص، خاصةً في ظل وجود التأمين الصحي، فالطبيب والصيدلي هما اللذان يعرفان المخاطر المحتملة للعلاج ومتى ينصح بتناولها من عدمه، وحتى الأدوية التي ينصح بها الطبيب أو الصيدلي في حالة مرضية معينة، ليست بالضرورة مجدية نفعاً للحالة المرضية نفسها عند شخص آخر؛ بل على العكس قد تشكل خطراً على حياته.
وصفة طبية
توضح مارلين بجاني مكرزل، مديرة الصيدلية في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أن تشخيص الأمراض هو من اختصاص الطبيب فقط، والعوارض نفسها ممكن أن تكون بسيطة أو تكون علامة لمرض خطير، والطبيب وحده هو الذي يشخّص ويصف أدوية.
وأضافت أنه في الصيدليات توجد بعض الأدوية التي تسمى«OTC» وهي الأدوية التي تباع بدون وصفة طبية، ومن الممكن أن تكون مؤذية إذا لم تستعمل بطريقة صحيحة، مثل مسكن الألم الذي يعتبره الغالبية بسيطاً جداً، لكنه إذا لم يؤخذ بطريقة صحيحة ممكن أن يؤذي الكبد، وبالتالي يجب سؤال الصيدلي عن كمية الحبوب القصوى التي يمكن أن يتناولها في اليوم وعن الفرق بين الجرعات.
إنه في بعض الدول الأجنبية، يمكن للصيدلي أن يصف بعض الأدوية ولكن في الإمارات الصيدلي لا يحق له وصف الأدوية، ويقتصر دوره على مراجعة ما كتبه الطبيب إذا كان هناك تعارض بين الأدوية كلها التي يأخذها المريض، ويمكن أيضاً أن ينصح المريض باستشارة طبيبه
ويوضّح الصيدلي خالد مصطفى علي، من إحدى الصيدليات في أبوظبي، أنه لا يصح للصيدلي أن يصرف الأدوية التي يجب صرفها بوصفة طبية كالمضاد الحيوي أو أدوية الضغط والسكري أو القلب أو الأدوية النفسية، ويمكن للصيدلي صرف بعض المسكنات وخوافض الحرارة وأدوية الكحة والفيتامينات وبعض المكملات الغذائية بدون وصفة.
ويبيّن أن دور الصيدلي يقتصر في منظومة الرعاية الصحية على التعامل مع العوارض المرضية الصغرى دون الكبرى منها، وذلك ليس لقصور في علمه أو فهمه لطبيعة المرض، وإنما لطبيعة دراسته التي تتناول بالأساس الدواء من حيث التركيب الكيميائي، طريقة التأثير ومدته وشدته وتعارضاته مع الأدوية الأخرى والغذاء.
ويضيف، يقوم الصيدلي بشرح طريقة استخدام الدواء للمراجع وتقديم النصح للطبيب في حالة التداخلات الدوائية مع وصف الدواء للحالات الداخلة في نطاق دراسته وخبراته، ويلفت إلى أن كثيراً من المرضى يلجأون إلى علاج أنفسهم من خلال تجربتهم لدواء معين أو وصفة مجربة من زميله أو أحد أقاربه، وعندما يأخذ قرصاً فيشعر بتحسن ويواصل استخدامه كلما شعر بالألم وبينما هو يسكّن الأعراض دون علاج الأسباب أو المرض نفسه، ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات، لذلك يجب استشارة الطبيب المختص في حال الشعور بأي أعراض صحية، وتناول الدواء حسب تعليمات الطبيب.
انتظار ومواعيد
أرجع عدد من المرضى والمراجعين سبب المشكلة إلى وقت الانتظار الطويل في العيادات والفحوص المبالغ فيها التي يطلبها الطبيب المعالج حتى في الحالات المريضة البسيطة، وقالت«س. أ»، إنها ذهبت إلى طبيب أمراض أنف وأذن وحنجرة بعد انتظار 3 أيام للحصول على موعد، فضلاً عن الانتظار أكثر من ساعة في المركز الطبي للدخول إلى غرفة الطبيب المعالج، حيث كانت تعاني إنفلونزا.
وأضافت أن الطبيب كتب لها 9 أنواع من الأدوية، وشخص حالتها بأنها تعاني انحرافاً في الأنف وتحتاج إلى عملية جراحية، ولكنها لم تشعر بتحسّن على الأدوية، وبعد شهرين تكررت نفس المشكلة، ما دفعها لمراجعة إحدى الصيدليات وحصلت على مسكنات دون انتظار ومواعيد.
وقالت إيلاف محمد، إحدى المريضات، أن مواعيد حجز الأطباء تكون بعيدة وتنتظر مدة طويلة للدخول إلى غرفة الطبيب المعالج، لذا تختصر وقت العلاج بأخذ الأدوية من الصيدلية، حيث تخبر الصيدلي بالأعراض والأدوية التي لديها حساسية منها حتى يعطيها الدواء المناسب، في بعض الأحيان لا يستطيع الصيدلاني أن يصرف دواء معيناً إلا بوصفة طبيبة ولكنّ أخذ الأدوية التي تصرف بدون وصفة طبية، أحياناً تُجدي، وإذا استمر الألم أذهب للطبيب.
وقال مصطفى السيد، أحد المرضى:«إن التكاليف غالية من حيث سعر الاستشارة والكشف الطبي والأدوية وربما يتطلب الأمر التحليل والأشعة، ولديّ ضمان صحي ينتهي بسرعة بسبب أن الأطباء يوجهون المرضى لإجراء أشعة دون النظر لإضرارها السلبية وسعر الأشعة تكون غالية وفي بعض الأحيان التأمين لا يغطي جميع التكاليف».
فيما قال محمود نظيم:«واجهت مشكلة صحية بسبب تغير الجو، ولم أستطع الذهاب للمستشفى لأن التكاليف ستكون مرتفعة لعدم وجود تأمين صحي، وبالتالي سأدفع للكشف الطبي والأدوية ويمكن أن يتطلب الأمر إجراء تحاليل الدم وليس لديّ الضمان الصحي، وحتى أقلل من التكاليف على نفسي، ذهبت للصيدلية وأعطاني الدواء المناسب للمشكلة الصحية التي واجهتني، وهناك عروض خصومات على بعض الأدوية والفيتامينات».
المصدر: الرابط</a >