من خلال عملي في قسم الصحة على موقع “هي” لما يقارب 11 سنة حتى اليوم، قرأتُ وكتبتُ وناقشتُ الكثير مع المختصين وأصحاب التجارب السابقة حول سرطان الثدي. ما يجعلني ألمَ بصورةٍ كبيرة بهذا المرض وخباياه، وما الضروري فعله في معظم حالات سرطان الثدي.
وهو ما جعلني جزءًا من حملات التوعية التي نقوم بها من خلال “هي” سنويًا، لتشجيع النساء على معرفة المزيد عن هذا المرض وسُبل الوقاية منه. لأن المعرفة تبقى أهم وسائل الحماية ليس فقط من سرطان الثدي، وإنما من العديد من الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى التي قد تُواجهنا.
لذا لا بد لنا دومًا، وخلال شهر أكتوبر من كل عام؛ من إعادة الحديث وتثقيف الجمهور النسائي (وحتى الرجالي إن أرادوا) حول مرض سرطان الثدي، مسبباته، أنواعه وطرق الوقاية منه. بغية المساعدة ولو بجزءٍ بسيط، في درء مخاطر هذا المرض عن النساء وجعلهنَ أكثر وعيًا بكافة المعلومات الخاصة بهذا المرض؛ على أمل أن تُسهم هذه التوعية في تقليل أعداد المصابات بسرطان الثدي في مجتمعاتنا.
في مقالة اليوم؛ تحدثنا إلى الدكتورة عايدة العوضي، استشاري رئيس قسم أمراض وأورام الدم في مدينة الشيخ شخبوط الطبية أبوظبي التي قدمت لنا شرحًا مُفصلًا ووافيًا عن سرطان الثدي، يمكن اعتباره كُتيَبًا أساسيًا لكل قارئات “هي” للاستناد عليه فيما يخص معرفتها بالمرض واتخاذها للخطوات الضرورية لتجنب الإصابة.
ما هو سرطان الثدي، وكيف يحدث؟
يُعدّ سرطان الثدي نوعًا من أنواع السرطان الذي يبدأ على هيئة نموٍ غير طبيعي للخلايا في أنسجة الثدي، ويتشكل نتيجة حدوث خللٍ في نمو خلايا الثدي وزيادة انقسامها؛ وعلى الرغم من أن سرطان الثدي أكثر شيوعًا لدى النساء، إلا أنه يمكن أن يصيب الرجال وإنما بشكلٍ نادر.
يمكن أن يصيب سرطان الثدي عدة أجزاءٍ من الثدي، مثل القنوات أو الفُصيصات أو الأنسجة المحيطة به؛ كما يمكن أن يتشكل في الدهون والأنسجة الضامة.
ما هي الأسباب المباشرة وغير المباشرة وراء الإصابة بسرطان الثدي؟
إن الأسباب الدقيقة للإصابة بسرطان الثدي غير معروفة، لكن هناك عوامل قد تزيد من خطر الإصابة؛ مثل التغيرات الوراثية، والتقدم في العمر، والتاريخ الوراثي للإصابة، والهرمونات الأنثوية (مثل الاستروجين)، وأسلوب الحياة غير الصحي مثل التدخين والسُمنة وشرب الكحول.
كيف يتم طبيًا تصنيف سرطان الثدي؟
يجري تصنيف سرطان الثدي بناءً على عدة عوامل، منها:
- نوع الورم (مثل سرطان القنوات الموضعي أو السرطان الفصيصي الغزوي).
- درجته (مدى اختلاف الخلايا السرطانية عن الخلايا الطبيعية).
- مرحلته، أي المرحلة (مدى انتشار السرطان في الجسم).
- نوعه البيولوجي، ويُحدَد من خلال وجود مُستقبلات هرمونات الاستروجين والبروجيسترون أو تواجد طفرة جينية؛ فالورم يجعلها تنتج بروتين HER2 بشكلٍ فائض.
هذه العوامل جميعًا نستخدمها للتعرف على مواصفات وطبيعة سرطان الثدي، لتحديد العلاج الأمثل. وتختلف طرق العلاج حسب المرحلة والدرجة والنوع البيولوجي للورم.
من هنَ النساء اللاتي تزيد فرص تعرضهنَ للإصابة بسرطان الثدي؟
إن أكثر النساء عرضةً للإصابة هنَ اللاتي لديهنَ تاريخٌ عائلي للإصابة بسرطان الثدي لدى أفراد العائلة من الدرجة الأولى، أو وجود طفرة وراثية مُشخصة مثل BRCA1 و BRCA2، أو اللاتي تأخرنَ في الحمل أو لم ينجبنَ أو عدم الرضاعة.
كذلك فإن أخذ بعض الهرمونات مثل هرمونات منع الحمل التي تحتوي على الاستروجين والبروجسترون والسُمنة وعوامل أخرى، يمكن أن تُضاعف من خطر الإصابة بسرطان الثدي.
بالنظر إلى الإجابة السابقة، ما هي المراحل العمرية الأكثر خطورةً للإصابة بسرطان الثدي؟
بشكلٍ عام، تزداد احتمالية الإصابة بسرطان الثدي مع تقدم العمر؛ مع ذلك، لا يقتصر سرطان الثدي على فئةٍ عمرية معينة، ويمكن أن يصيب النساء في أي سن كوجود الطفرات الجينية الوراثية مثل BRCA1 و BRCA2 بحيث تتعرض المرأة للإصابة بسرطان الثدي في عمرٍ مبكر.
هل يمكن للسيدات اللاتي ليس لديهنَ تاريخٌ وراثي لسرطان الثدي، التعرض للإصابة به؟ وما هي عوامل الخطورة في هذه الحالة؟
نعم، بالطبع يمكن للسيدات اللاتي ليس لديهنَ تاريخٌ وراثي للإصابة بسرطان الثدي أن يصبنَ به للأسف. وعلى الرغم من أن العامل الوراثي يُعتبر عامل خطرٍ مهم، إلا أنه ليس العامل الوحيد؛ فهناك العديد من العوامل الأخرى التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة، حتى في غياب العامل الوراثي، مثلما ذكرنا سابقًا.
ما هي مراحل سرطان الثدي، وكيف أعرفُ مرحلتي في حال إصابتي به؟
يشمل تشخيص سرطان الثدي مجموعةً متنوعة من الفحوصات الطبية التي تساعد في تحديد وجود الورم، ونوعه، ومدى انتشاره؛ ومن الاختبارات الأكثر شيوعًا فحص الثدي بالأشعة السينية (الماموغرام)، والموجات فوق الصوتية (السونار)، واختبار الخزعة في حالة تمَ الاشتباه بورمٍ خبيث من خلال الماموغرام والسونار. في حالاتٍ خاصة فقط، يتم تحديدها من قبل الطبيب المختص، وعند تأكيد التشخيص يتم معرفة الورم من خلال حجم الورم؛ إذا ما وصل للغدد الليمفاوية تحت الإبط أو انتشر في أماكن أخرى في الجسم، وكذلك حسب النوع البيولوجي للورم ومدى شراسته.
ما هي أنواع سرطان الثدي، وما أخطرها؟
يُحدَد أنواع سرطان الثدي حسب منطقة حدوث الورم؛ مثلًا، سرطان القنوات الغازية النوع الأكثر شيوعًا يبدأ في القنوات التي تحمل الحليب من الغدد إلى الحلمة، وهناك سرطان الفصيص الغازي الذي يظهر في الغدد التي تُنتج الحليب، ويُعتبر من حالات سرطان الثدي الأقل شيوعًا التي تصيب 10 إلى 20٪ من النساء.
يتحدد النوع أيضًا حسب مُستقبلات الورم الذي يتم تحديده من خلال الدراسة المجهرية للورم، المُستقبلات التي يتم فحصها على الورم هي مُستقبلات الاستروجين والبروجسترون وبروتين HER2. على سبيل المثال، سرطان الثدي الثلاثي السلبي يكون سلبيًا أو لا يتوفر عليه مُستقبلات الأستروجين والبروجسترون و HER2. وهناك أيضًا سرطان الثدي الالتهابي، وهو نوعٌ نادرٌ جدًا يتميز باحمرارٍ وانتفاخٍ في كامل الثدي، حيث يتسبب في انسداد الأوعية الليمفاوية في الثدي وأحيانًا يكون غير مُصاحب لكتلة ورمية في الثدي، ويُعدَ من الأنواع الأكثر عدوانيةً والأسرع في الانتشار.
سرطانات الثدي الثلاثي السلبي والالتهابي، تُعتبر من أخطر الأنواع لسرعة انتشارها؛ ولكن مع التطورات الكبيرة في العلاج أصبحت العلاجات المتوفرة لهذه الأنواع أكثر فعالية وسيطرة.
هل ينتشر سرطان الثدي، وإلى أي مناطق في الجسم، وفي أي مرحلة؟
عند انتشار سرطان الثدي؛ فإنه غالبًا ما ينتقل أولًا إلى العقد الليمفاوية تحت الإبط في الجهة المصابة بالورم، ثم قد يمتد إلى أعضاء أخرى مثل العظام، الرئتين، الكبد، أو الدماغ. يحدث هذا الانتشار عادةً في المراحل المتقدمة من المرض، والمعروفة بالمرحلة الرابعة.
وعلى الرغم من أن الشفاء التام غير ممكن في هذه المرحلة، إلا أن هناك علاجاتٍ مُتاحة تساعد في السيطرة على المرض. ومع تطور العلاجات، تعيش العديد من المريضات لفتراتٍ طويلة في المرحلة الرابعة، مع التكيف مع المرض والسيطرة على أعراضه.
هل يرتبط سرطان الثدي بسرطانات أخرى (سرطان المبيض مثلًا)؟
تلعب الوراثة دورًا هامًا في زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض؛ فحاملات طفرات BRCA1 وBRCA2 يكون لديهنَ استعدادٌ وراثي للإصابة بهذين النوعين من السرطان، مما يجعلهما أكثر عرضةً للإصابة بهما مقارنةً بالنساء الآخريات.
ما هي نسب الشفاء الحالية من سرطان الثدي، في حال الكشف المبكر عنه؟
تُعتبر نسب الشفاء من سرطان الثدي مرتفعةً بشكلٍ ملحوظ، خاصةً في حال الكشف المبكر عن المرض؛ وهذا يعود إلى التطور في تقنيات التشخيص والعلاج، بالإضافة إلى الوعي المتزايد بأهمية الفحوصات الدورية.
ما هي الفحوصات الواجب القيام بها للكشف عن سرطان الثدي؟
تُعدَ الفحوصات المنتظمة خط الدفاع الأول ضد سرطان الثدي. حيث تساعد هذه الفحوصات على اكتشاف المرض في مراحله المبكرة، ويكون العلاج أكثر فعاليةً.
إليكِ أهم الفحوصات التي يجب القيام بها:
- الفحص الذاتي للثدي.
- فحص الأشعة السينية (الماموغرام).
- الفحص السريري للثدي.
- الفحوصات الأخرى إذا لزم الأمر مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والخزعة.
ما هوHER2؟ وما خطورة حالته تحديدًا إذا تم تشخيص الإصابة بسرطان الثدي؟
إن مصطلح HER2 يشير إلى سرطان الثدي إيجابي البروتين، ويعطي تشخيصُه نتيجةً إيجابية لبروتين يسمى “مُستقبِل عامل نمو البشرة 2 لدى البشر”، و HER2 هي اختصارٌ لهذا الاسم.
يعمل هذا البروتين على تحفيز نمو الخلايا السرطانية، وفي حالة واحدة من كل 5 حالات سرطان في الثدي، تحتوي الخلايا السرطانية على نسخٍ إضافية من الجين الذي ينتِج بروتين HER2. وعادةً ما تكون سرطانات الثدي إيجابية البروتين HER2 أكثر عدوانيةً من أنواع سرطان الثدي الأخرى، ولكن مع تطور العلم والأبحاث، أصبح هناك علاجاتٌ فعالة لهذا النوع من الأورام.
هل يجب أن أفكر في إجراء اختبار جيني، وفي أي حالات؟
يُنصح بشدة بإجراء الاختبار الجيني للسرطان إذا كان لديكِ تاريخٌ عائلي أو وراثي قوي للإصابة بسرطان الثدي أو المبيض، أو إذا تم تشخيص إصابتكِ بالسرطان وأنتِ في سنٍ مبكرة؛ فهذه العوامل قد تشير إلى وجود طفرةٍ وراثية تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. ويُفضَل في هذه الحالة استشارة طبيب أورامٍ مختص أو طبيبٌ متخصص في الجينات الوراثية.
ما هي علاجات سرطان الثدي التقليدية والحديثة، وكيف يتم وصفها لأي حالة أو نوع سرطان؟
إن علاج سرطان الثدي يعتمد على مجموعةٍ متنوعة من العوامل؛ منها حجم أنسجة الثدي، وحجم الكتلة، وموقع السرطان. وتشمل العلاجات الجراحة؛ العلاج الإشعاعي؛ العلاج الكيميائي؛ العلاج الهرموني؛ العلاج المُوجّه؛ العلاج المناعي، والرعاية الداعمة التلطيفية.
مع الإشارة إلى أنه يتم وصف العلاج بناءً على نوع السرطان، ومرحلته، وحالة المريضة الصحية.
هل يمكن الوقاية من سرطان الثدي، وكيف؟
يمكن تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي عن طريق تبنَي نمط حياةٍ صحي، وممارسة الرياضة، والحفاظ على وزنٍ صحي، وتجنب التدخين، واستهلاك الكحول.
كما ينبغي تجنَب استخدام الأدوية التي تحتوي على الأستروجين والبروجسترون دون متابعة طبية.
هل الرجال عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وفي أي حالات؟
نعم، الرجال يمكن أن يُصابوا بسرطان الثدي؛ لكن ذلك أقل شيوعًا من النساء. تزيد احتمالية الإصابة لدى الرجال الذين لديهم عاملٌ وراثي قوي أو لديهم طفرات جينية معينة مثل BRCA1 و BRCA2 وممكن أن يحدث من دونه.
نصيحتي لكل الرجال إذا ما أحسوا بتغيَرٍ في الثدي، أن يسارعوا في الكشف عند طبيب مختص ولا يهملوا الموضوع.
في الختام؛ فإن معظم إصابات سرطان الثدي يكون سببها وراثي. وعلى الرغم من صعوبة وشدة بعض أنواع هذا المرض، إلا أن تطور العلاجات وسرعة الكشف مبكرًا عن الإصابة، يساعدان كثيرًا في تسريع عملية الشفاء أو إطالة عمر المريضة.
وتبقى الوقاية ركيزةً مهمة في حمايتكِ من سرطان الثدي وغيره من الأمراض؛ فلا تتواني عزيزتي عن اتباع نمطٍ حياتي وغذائي صحي، ولا تتأخري عن القيام بكافة الفحوصات الضرورية التي تساهم في الكشف المبكر عن المرض وتحديد العلاجات المناسبة.
المصدر: مجلة هي