لأسابيع عدة، أصبح الألم الخفيف، الذي عانته «سارة» رفيقًا دائمًا لها، تتخلله زيارات متكررة إلى الحمام، تركتها منهكة. في البداية، تجاهلت حالتها، وعزت الأمر إلى ضغوط العمل، أو تناولها طعاماً سيئاً. لكن، في الآونة الأخيرة، اشتد الألم كثيراً، وأخذ يسرق طاقتها، ويخيم على حياتها المفعمة بالحيوية عادةً. تم تشخيص حالتها بـ«داء الأمعاء الالتهابي» (IBD).. فما هذه الحالة؟.. وكيف يمكن الوقاية منها؟.. وهل من علاجات لها؟.. أسئلة عدة وجهناها إلى الدكتورة مريم الأحمد، الطبيب الاستشاري بقسم أمراض الجهاز الهضمي في مدينة الشيخ شخبوط الطبية.
وعن هذا الداء، قالت الطبيبة مريم الأحمد: «داء الأمعاء الالتهابي مصطلح يشير إلى مجموعة من الاضطرابات، التي تسبب التهاباً مزمناً، يصيب الجهاز الهضمي والأمعاء. ويعد داء كرون، والتهاب القولون التقرحي، من أكثر الأنواع شيوعاً في هذه الحالة»، مضيفة: «داء كرون قد يؤثر في أي جزء من الجهاز الهضمي، من الفم إلى الشرج، بينما يصيب التهاب القولون التقرحي القولون والمستقيم»، مبينة أن أسباب هذا المرض لا تزال إلى يومنا هذا غير معروفة. لكن الطبيبة مريم الأحمد أشارت إلى أن الوراثة تلعب دوراً فاعلاً في داء الأمعاء الالتهابي؛ حيث ترتفع نسبة الإصابة به لدى الذين لديهم أقارب مصابون بالمرض.
ولمعرفة أعراض مرض الأمعاء الالتهابي.. تبين استشارية الجهاز الهضمي بمدينة الشيخ شخبوط الطبية: «أعراض هذا المرض مختلفة الشدة، وقد تصاحبه أعراض مختلفة، مثل: الإسهال، وآلام البطن، ووجود دم في البراز، والحاجة الملحة لقضاء الحاجة، وفقدان الشهية والوزن، ما يؤثر في الحياة اليومية للمصاب به بشكل كبير»، فالأعراض وتوابعها الصحية، بحسب الأحمد، تسبب للمريض الإرهاق والتعب.
في هذه الحالة، ما الذي يمكن فعله؟.. وهل هناك خطوات أولية يجب على الفرد اتباعها؛ لمعرفة ما إذا كان مصاباً بداء الأمعاء الالتهابي، أم لا؟.. تجيب الطبيبة مريم الأحمد، قائلة: عند الشك في الإصابة بهذا المرض؛ يجب إجراء اختبارات عدة، تشمل:
• الاختبارات المعملية: وهي فحوص الدم؛ للتأكد من عدم وجود التهاب أو فقر دم، وفحوص البراز.
• منظار الأمعاء الدقيقة والقولون: للبحث عن أدلة على وجود التهاب بالجهاز الهضمي، وأخذ عينات إذا لزم الأمر، أو إجراء تنظير الكبسولة، حيث يتم ابتلاع كبسولة بها كاميرا؛ لتقييم حالة الأمعاء الدقيقة.
• الاختبارات التصويرية: التصوير المقطعي، أو التصوير بالرنين المغناطيسي؛ لتقييم إصابة الأمعاء، وتأثرها بالمرض، مثل: كشف الانسدادات المعوية، أو وجود ناسور، أو تجمع قيحي.
كثيرون يخافون من الخضوع للتنظير، فما آليته، ولماذا يهابه معظم المرضى؟.. توضح الطبيبة مريم: «المنظار يعتبر آمناً طبياً، ونسبة مضاعفاته قليلة، ولا تستدعي الخوف. لكن، ربما فكرة إدخال أنبوب بالجسم قد تثير المخاوف عند البعض». وتشرح: «في التنظير، يتم استخدام أنبوب رفيع جداً، ومرن، وتتصل بنهايته كاميرا. وبناءً على المنطقة المشتبه فيها، يتم إجراء تنظير المعدة، ويمكن من خلاله النظر إلى المريء، والمعدة، والاثني عشر. أما تنظير القولون، فمن خلاله ينظر إلى جدار القولون، والأمعاء الدقيقة. ويساعد التنظير السيني المرن في تقييم حالة المستقيم، والجزء السيني، وخلال التنظير تؤخذ عينات؛ لتحليلها في المختبر».
ماذا عن العلاجات المتوفرة لمثل هذه الحالة؟.. تجيب الطبيب الاستشاري بقسم أمراض الجهاز الهضمي في مدينة الشيخ شخبوط الطبية: «هناك علاجات عدة، لكنها جميعاً تركز على علاج التهاب جدار الأمعاء، وتحسين نوعية الحياة، والحد من مخاطر المضاعفات التابعة للمرض.. ومن العلاجات المتاحة لداء الأمعاء الالتهابي: الأدوية، وتتمثل في الأدوية المضادة للالتهابات، مثل: الأمينوســـــاليسيلات والكـــورتيزون، وتؤخذ لفترة محددة، وأدوية بيولوجية، ومثبطات أخرى للجـــــهاز المنـــــاعي. وبعـــــض الحالات تستدعي إجراء جراحة، والأهم من ذلك التوعية، والدعم الغذائي».
هل من نصيحة توجهينها؛ للحفاظ على صحة الأمعاء، وتجنب تفاقم الحالة عند المصابين بالمرض؟.. تقول الطبيبة مريم الأحمد: «إن التعايش مع مرض الأمعاء الالتهابي قد يبدو صعباً. لكن، مع معرفة المرض، والتوعية بأعراضه، والالتزام بالأدوية وجرعاتها، واتباع إرشادات الطبيب، يمكن التحكم في مسار المرض. بالإضافة إلى الحرص على اتباع أسلوب حياة صحي، يشمل: الغذاء المتوازن، وممارسة الرياضة بانتظام؛ لأنهما يساهمان في تقوية المناعة، وتعزيز الصحة بشكل عام. ومن النصائح المهمة، أيضاً، عدم التردد في إبلاغ الطاقم الطبي بأية أعراض متعلقة بتهيج المرض، فالتواصل السريع مفتاح العلاج الفعال لمنع المضاعفات، كما يجب تجنب الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية، لتسببها في تفاقم أعراض التهاب الأمعاء، وتجب استشارة الفريق الطبي قبل تناول المضادات الحيوية، أو غيرها من الأدوية؛ تفادياً لحصول اختلال في توازن بكتيريا الأمعاء؛ ما يتسبب في الإسهال، أو آلام البطن». وتضيف: «في حال الإصابة بداء كرون؛ من المهم جداً أن يقلع المصاب عن التدخين؛ لتقليص نوبات التهيج المرتبطة بالمرض».
ومن أكثر النصائح، التي تشدد الطبيبة مريم الأحمد على أن يتبعها المصاب بداء الأمعاء الالتهابي، عدم بقاء المريض وحيداً، إذ تدعوه إلى التواصل مع عائلته، وأصدقائه، والانضمام إلى مجموعات الدعم؛ لمشاركة تجاربه مع أشخاص يمرون بالظروف نفسها. وكذلك، تعلم تقنيات التحكم في الضغط النفسي، فهي تلعب دوراً مهماً في تخفيف حدة الأعراض. وأيضاً، الحرص على إجراء الفحوص المخبرية الدورية لمتابعة مسار حالته. والتذكر، دائماً، أن علاج التهاب الأمعاء لا يقتصر على إزالة الأعراض فحسب، وإنما أيضاً على شفاء جدار الأمعاء، وتعزيز صحته. وأخيراً، ضرورة الحفاظ على التواصل المستمر مع الفريق الطبي، فهو شريك المريض في رحلة العلاج.
5 أسئلة.. وأجوبة:
1 . ما التحديات، التي قد يواجهها مريض التهاب الأمعاء، وكيف يمكنه تفاديها أو إدارتها؟
– هناك تحديات عدة، يواجهها المصاب بداء الأمعاء الالتهابي، منها: أولاً: معرفة الأعراض في وقت التشخيص، وفي بداية تفاقم الحالة. ثانياً: تغيير النظام الغذائي بشكل جذري؛ لتجنب التفاقم في المقام الأول، وعندما تتفاقم الحالة، يجب أن يشارك المريض – بشكل كبير – في الرعاية الصحية. ومن المهم معرفة أنه إذا كانت لدى الشخص نظرة إيجابية، والتزم بمتابعة حالته مع فريق الرعاية الصحية الخاص به بعيادة داء الأمعاء الالتهابي، فسيكون قادراً على عيش حياة منتجة وطبيعية.
2 . ما الرعاية الصحية، التي يجب أن يحصل عليها المصابون بالتهاب الأمعاء؟
– تشمل الرعاية حصول المريض على فريق شامل، متعدد التخصصات؛ للرعاية المتكاملة ليس لهذا المرض فحسب، وإنما أيضاً للجوانب الأخرى، التي تتأثر به، بما في ذلك: الدعم النفسي، والتغذية، والاهتمام بالمبادئ الصحيّة لعلاج التهاب الأمعاء، مثل: التقيد بالتطعيمات، وإجراء فحوص سرطان الجلد، وإجراء فحص هشاشة العظام.
3 . ما علاقة التوتر بتفاقم داء الأمعاء الالتهابي؟
– لاحظ عدد كبير من المرضى ارتباط التوتر الشديد بتفاقم أعراض الداء. من هنا، تجب السيطرة على التوتر بممارسة الرياضة بانتظام؛ لأن التمارين الخفيفة تساعد في الحد من التوتر والاكتئاب، وتعزز قدرة الأمعاء على العمل بشكل سليم وصحي.
4 . هل هناك فرق بين متلازمة القولون العصبي، وداء الأمعاء الالتهابي؟
– رغم أن هاتين الحالتين تؤثران في الجهاز الهضمي، فإنهما تختلفان اختلافاً كبيراً في الأسباب، والأعراض، والعلاج. فـ«القولون العصبي» (IBS) اضطراب وظيفي في الأمعاء، وأسبابه غير معروفة تماماً، ومن أعراضه: آلام وتشنجات البطن، والانتفاخ، وتغير عادات التبرز (الإسهال، والإمساك، أو التناوب بينهما)، والشعور بعدم التخلص الكامل من البراز، والغازات. وعلاجه يقتصر على: تخفيف الأعراض، وتحسين نوعية الحياة، وتجنب الأطعمة المسببة للتفاقم، ومضادات التشنج، ومضادات الإسهال، والملينات، والعلاج النفسي. في المقابل، يعد داء الأمعاء الالتهابي مرضاً مناعياً ذاتياً، يهاجم الأمعاء السليمة، ويتسبب في التهابها.
5 . ما الأكل المناسب؛ عند الإصابة بـ«التهاب الأمعاء»؟
– عند حدوث نوبة التهاب الأمعاء؛ يجب القيام بما يلي:
• الالتزام بتناول السوائل، والطعام اللين، ومناقشة ذلك مسبقاً مع الفريق الطبي.
• التدوين بمفكّرة يومية تفصيلية، تتيح تحديد الأطعمة، التي تتسبب في نوبات التهيج.
ويجب تجنّب الآتي:
• تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء، والسكريات المكررة، والأطعمة الدسمة.
• الأطعمة الدهنية، والزيتية، والمقلية.
• الأطعمة الغنية بالألياف.
• الحبوب، والملفوف، والبروكلي.
• كل ما يحتوي على الكافيين، والصودا.
المصدر : زهرة الخليج