منى الحمودي (أبوظبي)
يُعد داء السكري من أهم التحديات الصحية في دول المنطقة والعالم، ويعتبر نمط الحياة المتبع وزيادة الوزن والسمنة، والتقدم في العمر، والعوامل الأخرى المسببة للسكري تحدياً كبيراً نحتاج لمواجهته ودراسته ووضع الخطط طويلة المدى، بما في ذلك الفحوص الدورية والتدخل المبكر لمعالجة ما قبل السكري ونشر طرق الوقاية والفحص الدوري لدورها الكبير في الحفاظ على صحة الأفراد والحد من تحول السكري لدى بعض الأشخاص لمرض مزمن لا يمكن التخلص منه. وتلتزم دولة الإمارات بتقديم الرعاية الطبية المتقدمة للمصابين بداء السكري، للوقاية من مضاعفاته وخفض نسب المصابين، باعتباره هدفاً مرتبطاً بمؤشر الأداء الرئيسي لتحقيق نظام صحي بمعايير عالمية وفق الأجندة الوطنية لدولة الإمارات، وبحسب وزارة الصحة ووقاية المجتمع، فإن دولة الإمارات استطاعت خفض معدلات الإصابة بمرض السكري، حيث أصبحت النسبة 11.8% بدلاً من 19.02% مقارنةً بما كانت عليه عام 2014. وذلك من خلال حزمة متكاملة من الخدمات والعلاجات في متابعة السكري والتثقيف المستمر والكشف المبكر والمتابعة المستمرة.
يشهد العالم حملة عالمية للتوعية بمرض السكري، في اليوم العالمي للسكري الذي يصادف 14من نوفمبر من كل عام، بهدف التوعية بالمرض وتقديم المعلومات التي يحتاج إليها الفرد لكي يتعايش مع المرض ويتمكن من علاجه بعناية، بالإضافة لنشر سبل الوقاية لتحقيق الصحة والسلامة لأفراد المجتمع. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن ملايين الأشخاص يعانون في جميع أنحاء العالم من مرض السكري، وتُعزى 1.5 مليون حالة وفاة مباشرة إلى مرض السكري كل عام، كما شهد عدد الحالات وانتشار مرض السكري زيادة مطردة على مدى العقود القليلة الماضية. وهناك هدف متفق عليه عالمياً لوقف ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري والسمنة بحلول عام 2025.
السكري في الشرق الأوسط
أوضح الدكتور عماد الكبي، رئيس قسم الغدد الصماء، في مدينة الشيخ شخبوط الطبية في أبوظبي، الأسباب الرئيسية التي تقف خلف الانتشار المتزايد للسكري في الشرق الأوسط من وجهة نظر سلوكية، حيث ترجع بعض هذه الأسباب إلى التغيرات المتلاحقة على نمط حياة الفرد وسلوكياته، كالخمول الذي تسببت به الكثير من الممارسات اليومية كالاعتماد الكامل على وسائل النقل وخدمات التسوق عن بعد وغيرها من الأمور التي فرضتها جائحة «كوفيد-19» والتي انتشرت بسببها ظاهرة العمل عن بعد، كل هذه الأسباب قللت من حركة ونشاط جسم الفرد بشكل عام. كما يرتبط ذلك بالتغيير في النظام الغذائي، حيث أصبح الوصول إلى الوجبات عالية السعرات الحرارية أكثر سهولة واستهلاكاً على نطاق واسع، فالأطعمة الغنية بالدهون والكربوهيدرات المعقدة تعتبر من بين الأسباب الرئيسية للإصابة بمرض السكري. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يقضون وقتاً في المنزل يتناولون المزيد من الوجبات الخفيفة مما يتسبب في زيادة استهلاك نسب أعلى من السعرات الحرارية، الأمر الذي ينتج عنه زيادة في الوزن.
وما تشير إليه الكثير من الأبحاث العلمية، هو الانتشار المتزايد للسمنة على مدى سنين المرتبط بارتفاع احتمالية الإصابة بمرض السكري. وأخيراً المكون الجيني للمرض والمرتبط بالعوامل الوراثية، فبحسب الدراسات فإن شعوب الشرق الأوسط أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من زيادة الوزن.
السكري وأنواعه
لفت الدكتور عماد الكبي أن السكري هو ارتفاع نسبة السكر في الدم، ولكن هناك أنواع مختلفة من مرض السكري، ومنها «النوع الثاني» الذي يصيب أغلب حالات مرضى السكري، ويرتبط عادةً بالسمنة، وأحياناً تكون الأسباب مرتبطة بعدم استجابة الجسم جيداً لتأثير الأنسولين الذي تنتجه البنكرياس، وأحياناً أخرى بانخفاض نسبي في إنتاجه منها، وفي هذه الحالات يتم معالجة المريض من خلال الأدوية في مراحله المبكرة، ولكن يحتاج العديد من المرضى إلى الأنسولين لتحسين التحكم في الجلوكوز. أما «النوع الأول» فيظهر عادة في سن أصغر، ويرجع ذلك إلى تدمير في الخلايا المنتجة للأنسولين بالبنكرياس. فتتم معالجة هؤلاء المرضى بالأنسولين، لأن أقراص السكري لن تعمل، فإن لم يعالجوا بالأنسولين أو نسوا تناول الأنسولين، فقد يرتفع الجلوكوز بشكل كبير ويؤدي إلى زيادة في الكيتونات الحمضية، مما يتسبب بالغثيان والقيء وتغيير الحالة العقلية، مما قد يهدد حياة المريض ويتطلب نقله بسرعة إلى الطوارئ الطبية. وهناك نوع آخر يطلق عليه سكري الحمل والذي يظهر خلال الفترة الأخيرة من حمل المرأة.
زيادة الإنفاق
أشار الدكتور عماد الكبي، إلى أنه من المتوقع أن يزداد الإنفاق على تكاليف الرعاية الصحية لعلاج مرضى السكري في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب انتشار السكري المتزايد وارتفاع مستوى النمو السكاني.
وقال «إذا ما أخذنا بالاعتبار الزيادة المتوقعة في متوسط الأعمار، فمن المتوقع أن يزداد الإنفاق على تكاليف الرعاية الصحية في المنطقة، حيث تذهب معظم تكاليف الرعاية الصحية على علاج المضاعفات المتعلقة بمرض السكري، مثل ضعف البصر أو العمى في بعض الأحيان، بسبب تأثير ارتفاع الجلوكوز على شبكية العين، وتلف الكلى الذي يتسبب في انخفاض وظائفها بالتالي الحاجة إلى جلسات غسيل الكلى، إضافة لتأثيره على أعصاب القدم وأحيانا عدم الإحساس بها وظهور تقرحات فيها، وقد يضطر الأطباء إلى بترها».
وأضاف «من ناحية أخرى، قد يؤدي تلف الأوعية الدموية في القلب والدماغ إلى حدوث أزمات قلبية وسكتات دماغية، وكنتيجة طبيعية ستنعكس هذه المضاعفات على ارتفاع التكلفة الطبية المجهدة للميزانيات الحكومية، والمؤدية إلى انخفاض إنتاجية الأفراد في سن العمل، وإلحاق الضرر بالاقتصاد».
تحسين المستوى الصحي
وأكد الدكتور عماد الكبي أهمية تعزيز رعاية مرضى السكري، والتركيز على أهمية السيطرة على المرض، وتوعية المجتمع بأهمية الزيارات الدورية للطبيب. وإجراء الفحوص الروتينية لمضاعفات مرض السكري، إضافة للفحص الروتيني للعيون من أجل الكشف عن الأضرار المبكرة لشبكية العين، والفحص الروتيني لأي ضرر يلحق بالكلى، والكشف المبكر عن تلف الأعصاب وتقرحات القدم، قبل أن تتطور وتتطلب جراحة أو بتراً. بالإضافة لتعزيز العادات الغذائية الصحية، والتشجيع على استهلاك المواد الغذائية الصحية ذات نسبة الألياف العالية والخضروات، وتجنب الوجبات السريعة والسكريات والمشروبات عالية الفركتوز. وإطلاق حملات التوعية والتثقيف في وسائل الإعلام، لإلقاء الضوء على أهمية ممارسة الرياضة والحفاظ مستوى معين من النشاط البدني. ومن خلال زيادة وعي المجتمع ولفت انتباهه إلى توافر المرافق العامة المتاحة مثل الحدائق، وصالات الألعاب والتمارين الرياضية ذات الأسعار المعقولة.
السكري الوراثي
أوضح الدكتور عماد الكبي أن هناك مرضى يعانون مرض السكري الوراثي، بسبب طفرة معينة في جينوم أفراد الأسرة، قد تكون انتقلت إليهم، ولكن هذه الحالة نادرة جداً، ويكون وراثياً أيضاً عند مرضى السكري من النوع «الثاني»، الذين عادة ما يكون لديهم مكون وراثي، وعند إجراء الفحوص يكتشف الأطباء أن أحد الوالدين أو كليهما مصاب بمرض السكري، وفي هذه الحالة هناك أشياء يمكن القيام بها لتقليل خطر الإصابة بمرض السكري أو تأخير ظهوره.
على سبيل المثال، يمكن للأشخاص زيادة مستوى نشاطهم، مثل المشي أو ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل، أو 5 أيام أو أكثر في الأسبوع، وإن كانوا يعانون من السمنة، فيمكنهم محاولة خسارة 5-7% من وزنهم عن طريق اتباع نظام غذائي صحي، وتقليل السعرات الحرارية والأطعمة الدهنية غير الصحية والمشروبات عالية الفركتوز، وممارسة الرياضة.
سكري الأطفال
أوضحت الدكتورة سريعة الرميثي، استشاري ورئيس قسم أمراض الغدد الصماء لدى الأطفال، أن سكري الأطفال أو السكر من النوع الأول هو الأكثر شيوعاً لدى فئة الأطفال والمراهقين وينتج عن عدم قدرة الجسم على إفراز هرمون الأنسولين المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الجسم مما يؤدي إلى ارتفاع شديد في السكر، منوهةً بأن هناك أنواعاً متعددة من السكري منها سكري الرضع، والسكري من النوع الأول والسكري من النوع الثاني، وهناك أنواع نادرة مثل سكري الشباب الناضجين. وأشارت إلى أن الأسباب التي تؤدي للإصابة بالسكري من النوع الأول هي قيام الجسم بإنتاج أجسام مضادة تهاجم خلايا «بيتا» المسؤولة عن إنتاج هرمون الأنسولين في البنكرياس، وعندما يتم تدمير خلايا «بيتا» لا يتمكن الجسم من تصنيع وإفراز هرمون الأنسولين وبالتالي ترتفع معدلات السكر في الدم.
اتباع نمط حياة صحي
لفتت الدكتورة سريعة الرميثي استشاري ورئيس قسم أمراض الغدد الصماء لدى الأطفال إلى أن علاج داء السكري لدى الأطفال يركز على التحكم في كمية السكر بالدم باستخدام الأنسولين والنظام الغذائي واتباع نمط حياة صحي. وبوجه عام، يحتاج المصابون بمرض السكري من النوع الأول إلى العلاج بالأنسولين مدى الحياة. وأشارت إلى أن الهدف من العلاج، يتمثل في الحفاظ على مستوى سكر الدم بحيث يكون أقرب إلى المستوى الطبيعي قدر الإمكان لتأخير حدوث المضاعفات أو الوقاية منها. وقالت: من المهم جداً لعلاج السكري من النوع الأول مراجعة مركز متخصص لتقييم احتياج المريض، ووضع الخطة العلاجية وتنسيق المتابعات الدورية، حيث يشرف على العلاج فريق متكامل يشمل طبيباً متخصصاً، ومثقف السكري، واختصاصي تغذية واختصاصياً نفسياً، لتقديم الدعم اللازم للطفل والأسرة. وأن هذه العلاجات المساندة لا تقل أهمية عن دور الطبيب المعالج ولا بد من توفرها جميعا لتقديم أفضل خدمة ممكنة للأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول». وأكدت أن الطب أُحرز تقدماً كبيراً في علاجات داء السكري لدى الأطفال على مدى السنوات الماضية تمثل في تطوير وإتاحة مراقبة الغلوكوز المستمرة ومضخات الأنسولين التي تعمل على الضبط التلقائي للأنسولين مع جهاز مراقبة الغلوكوز المستمرة، ويعتبر وهذا النوع من العلاج هو أفضل علاج حالياً لمرض السكري من النوع الأول، لافتةً إلى أن دولة الإمارات عبر شبكة للرعاية الصحية التابعة لكل إمارة تولي أهمية كبيرة لمرضى السكري، وتوفر لهم أحدث التقنيات، وتقدم خدمات وقائية وعلاجية وفقاً لأعلى المعايير العالمية. ونجحت العديد من المنشآت الصحية في التعامل مع حالات مرضى السكري من الأطفال ووضع خطط علاجية لضمان استقرارها والتعايش بأمان مع السكري، خصوصاً حالات لأطفال في عامهم الأول، والذي يكون صعباً على الأهل أنفسهم.
المصدر: الرابط